ـ وفى قوله تعالى : (أَفَلا يَعْقِلُونَ) حثّ لهم على استعمال عقولهم تلك ، التي هى معهم الآن ، ثم إذا هى ـ بعد أن يمتد العمر بهم ـ وقد تخلت عنهم! وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً) (٧٠ : النحل).
قوله تعالى :
(وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) ..
ومناسبة هذه الآية لما قبلها أيضا ، هو أنه وقد حملت الآيات الثلاث قبلها دعوة إلى المشركين أن يستبقوا الإيمان بالله ، وأن يبادروا باستعمال عقولهم والنظر بها إلى آيات الله قبل أن تذهب هذه العقول مع الزمن ـ فقد جاءت تلك الآية تلقاهم برسول الله ، وبكتاب الله الذي معه ، ليكون لمن انتفع بهذه الدعوة معاودة نظر إلى رسول الله ، وإلى كتاب الله .. فالضمير فى قوله تعالى : (وَما عَلَّمْناهُ) يعود إلى الرسول الكريم ، وهو وإن لم يجر له ذكر فى الآيات السابقة ، فإنه مذكور ضمنا فى كل آية من آيات الكتاب ، إذ كانت منزلة عليه ..
فهذا رسول الله .. ليس بشاعر كما يقولون .. إنه لم يؤثر عنه شعر ، ولم يكن ـ كما عرفوا منه ـ من بين شعرائهم .. فهذه تهمة ظالمة ، يجب أن يبرئوا النبىّ منها ، وأن يلقوه من جديد على أنه ليس بشاعر.
وهذا كتاب الله الذي بين يديه .. ليس من واردات الشعر ـ كما يزعمون زورا وبهتانا ـ بل هو «ذكر» يجد الناس من آياته وكلماته ، ما يذكّرهم بإنسانيتهم ، وبما ضيعوا من عقولهم فى التعامل مع الجهالات والضلالات ، على خلاف الشعر ، فإنه ـ فى غالبه ـ استرضاء للعواطف