قطع به عذرك ، فمهما ادّعيت من حجّة ، أو ركبت من شبهة (١) ، لم يصحّ لك برهان من الله ، فيها حلّ بك من سخط الله بقدر ما تجاهلته من العلم ، وأقدمت عليه من شبه الباطل ، واعلم أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم خصم من خالفه ، وأثبت الناس قدما يوم القيامة ، آخذهم بالكتاب والسّنّة ، فمثلك لا يكابر بتجريد المعصية ، لكن بمثل الإساءة إحسانا ، ويشهد له عليها خونة العلماء ، فهذه الخبالة تصيّدت الدّنيا نظراءك ، فأحسن الجهل ، فقد أحسن من وعظك الأداء.
قيل : قبّل رجل يد المهديّ وقال ، يدك يا أمير المؤمنين أحقّ بالتقبيل لعلوّها بالمكارم ، وطهارتها من المآثم ، وإنّك ليوسفيّ العفو ، إسماعيليّ الصّدق ، شعيبيّ الرّفق ، فمن أرادك بسوء جعله الله طريد خوفك ، حصيد سيفك.
وأثنى عليه بالشجاعة فقال : وما لي لا أكون شجاعا وما خفت أحدا إلّا الله.
وروى ابن أبي الدّنيا : أنّ المهديّ كتب إلى الأمصار يزجر أن يتكلم أحد من أهل الأمراء في شيء منها.
وعن يوسف قال : لما ولي المهديّ رفع أهل البدع رءوسهم ، وأخذوا في الجدل ، فأمر أن يمنع الناس من الكلام ، وأن لا يخاض في شيء منه ، فانقمعوا.
وقال داود بن رشيد : سمعت سلما الحاجب يقول : هاجت ريح سوداء ، فخفنا أن تكون السّاعة ، وطلبت المهديّ في الإيوان فلم أجده ، ثم سمعت حركة في بيت ، فإذا هو ساجد على التراب يقول : اللهمّ لا تشمّت بنا أعداءنا من الأمم ، ولا تفجع بنا نبيّنا ، اللهمّ وإن كنت أخذت العامّة بذنبي فهذه ناصيتي بيدك ، فما أتمّ كلامه حتى انجلت (٢).
__________________
(١) في الأصل : الأشباه.
(٢) تاريخ الطبري ٨ / ١٧٥ ، تاريخ بغداد ٥ / ٤٠٠ ، الكامل في التاريخ ٦ / ٨٤.