شاعر الإنسان ، وتستيقظ روحه ، ومن هنا يكون مهيئا للانصال بالعالم العلوي ، والوقوف على موارده ، والري من مشاربه ..!
ولأن الليل هو الظرف الطبيعي للنوم ـ كما قلنا ـ فقد أقسم الله سبحانه وتعالى به ، وسمى سورة من القرآن الكريم به ، تنويها بقدره ، وإشارة ترفع تلك الغشاوة التي تنظر إليه نظرة باردة ، أو شاردة ، أو متهمة .. فقال تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى * وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى) (١ ـ ٢ الليل) وقال سبحانه : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها* وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها ، وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها* وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها) (١ ـ ٤ : الشمس) وقال سبحانه : (وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ) (١٧ : الانشقاق).
ـ وفي عطف النهار على الليل في قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ) ـ تقرير لتلك الحقيقة الواقعة ، وهى أن الليل ، وإن كان هو الظرف الطبيعي للنوم ، فإن ذلك لا يمنع أن يكون النهار ظرفا للنوم أيضا ، حيث ينام الناس بالليل ، وينامون كذلك بالنهار ، وإن كان النوم بالليل أصلا ، والنوم بالنهار فرعا ... ولهذا قدم الليل على النهار في هذا المقام ..
ومن جهة أخرى ، نجد في قوله تعالى : (وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ) وإن جاء مجاورا للنهار ، فإنه معطوف على قوله تعالى : (مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ) .. وهذا يعنى أن النهار ، وإن كان الظرف الطبيعي للسعى والعمل ، فإن ذلك لا يمنع من أن يكون الليل ظرفا للسعى والعمل! كما هو واقع في الحياة. فالناس يعملون بالنهار ، ويعملون بالليل ، كما ينامون بالليل ، وينامون بالنهار ..
وعلى هذا يكون مفهوم النظم القرآنى هكذا : ومن آياته منامكم وابتغاؤكم من فضله ، بالليل والنهار.
ولكن أين هذا من ذاك؟ هذا كلام ، وذاك قرآن ..!