وفي قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) وفي استدعاء السمع هنا ، دون حواس الإنسان وملكاته الأخرى ـ فى هذا إشارة إلى أن السمع الذي يحقق إدراكا ، ويعطى فهما ، ثم يعطى لهذا الفهم ، وذلك الإدراك ، ثمرة ـ هو السمع الذي يخلى له الإنسان حواسه كلها ، ويعطيه وجوده كله ، على ما يكون عليه الإنسان في الليل ، وقد اشتمل عليه ، وأمسك كل حواسه ، فلم يبق الإنسان إلا سمعه المرهف ، الموجه إلى العالم الخارجي ، وما يجىء منه ... وذلك ما يكون عليه الإنسان ، حين يقع تحت حكم الآية : (وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ) ، فيحتويه الليل ، ويبسط عليه سلطانه.
قوله تعالى :
(وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
مناسبة هذه الآية للآية التي قبلها ، أنهما جميعا في معرض الدلالة على قدرة الله سبحانه ، والكشف عن أنعمه وآلائه .. ثم إن البرق إنما يظهر سلطانه على أئمّه ، حين يلمع بالليل الذي جاء ذكره في الآية السابقة.
ورؤية البرق ، إشارة دالة على الرحمة المرسلة من عند الله ، على يد هذا السحاب الذي ينطلق البرق من خلاله .. فإذا لمع البرق توقع الناس الغيث ، واختلفت توقعاتهم له بين يأس ورجاء ، وخوف وطمع .. وذلك أن البرق وإن كان رسولا من رسل الغيث ، إلا أنه قد يحىء بالغيث ، وقد لا يجىء .. فهناك برق يسمى برق الخلّب ، وهو الذي يبرق ولا يصحبه مطر .. ومن هنا كان قوله تعالى : (خَوْفاً وَطَمَعاً) ـ إشارة إلى أن لمعان البرق ، وإن طلع على