حفظوه ، وعملوا بأحكامه ، وتأدبوا بآدابه .. إنه ميراثهم من فضل الله ، فإذا لم يحسنوا القيام عليه ، والرعاية له ، أفلت من أيديهم هذا الميراث ، كما يفلت الميراث من يد الوارث السفيه .. كما يقول سبحانه : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) (٣٨ : محمد)
وثالثها : أن كل مسلم له نصيبه فى هذا الميراث ، وهو ميراث يسع المسلمين جميعا ، فردا فردا ، وجماعة جماعة .. وجيلا جيلا .. يسلمه السّلف إلى الخلف .. فهو أمانة فى عنق كل إنسان ، وهو أمانة فى أعناق المسلمين جميعا .. وعلى هذا فإن هذا الميراث لن يضيع أبدا .. إذ لو بقي فرد واحد من المسلمين ، لكان هذا الكتاب ميراثا له ؛ ولكان أمانة فى عنقه ، ولكان مطالبا بحمل الأمانة ، مطالبا بأدائها ..
وقدم الظالم لنفسه ، لأن الذين ظلموا أنفسهم بالمعاصي هم الكثرة فى المسلمين ، ثم جاء بعدهم المقتصدون ، وهم أقل منهم عددا ، ثم جاء السابقون بالخيرات بإذن ربهم ، لأنهم قلة فى المسلمين ، وصفوة صفوتهم .. وقيل إن هذا الترتيب منظور فيه إلى الأحوال التي تعترى الناس فى هذا المقام ، وهى ثلاث : معصية ، ثم توبة ، ثم قربة .. فإذا عصى العبد فهو ظالم ، فإذا تاب ، فهو مقتصد ، فإذا صحت توبته وكثرت مجاهدته ، فهو سابق .. وقيل قدم الظالم ، لئلا يبئس من رحمة الله ، وأخر السابق لئلا يعجب بعمله ، فتعيّن توسط المقتصد.
وقوله تعالى :
(جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ)
(جَنَّاتُ عَدْنٍ) بدل من قوله تعالى : (الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) .. فالفضل