وقدّم السمع على البصر ، لأنه أسبق من البصر ظهورا في الكائن الحي بعد الميلاد ، حيث تبدأ وظيفة السمع في كيان الطفل ، قبل أن يبدأ البصر في أداء وظيفته ـ وهذا من إعجاز القرآن ، الذي كشف عنه العلم ـ ثم يجىء بعد هذا دور الوعى والإدراك!
وفي إفراد السمع ، وجمع البصر ، والفؤاد ، إشارة إلى أن معطيات السمع تكاد تكون واحدة عند الناس جميعا ، وذلك على خلاف البصر ، الذي يختلف من إنسان إلى إنسان ، حيث يكون النظر عند بعض الناس مجرد عين ترى الأشياء رؤية حيوانية لا تتجاوز ظاهر المرئيات ، على حين يكون النظر عند بعض آخر بصيرة نافذة ، تبلغ الأعماق ، وتصل إلى اللباب .. وكذلك الشأن في الفؤاد ، وهو موطن المدركات! وذلك أظهر من أن يكشف عنه.
ـ وقوله تعالى : (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) أي قليل منكم من يعرف لله قدره ، ويذكر له إحسانه وفضله ، فيؤدى الشكر لله ، إيمانا به ، وإفرادا له بالألوهة ، وفي هذا يقول سبحانه وتعالى : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) (١٣ : سبأ)
قوله تعالى :
(وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ).
الضلال في الأرض : الضّياع ، والفناء في ترابها .. وذلك بما يحدث للأجساد بعد الموت من تحلل وفناء.
والحديث هنا عن المشركين ، الذين ينكرون البعث ، ويرون أن انحلال أجسادهم بعد الموت ، وتحولهم إلى تراب من تراب الأرض ، يجعل من المستحيل أن يعودوا مرة أخرى إلى ما كانوا عليه ، إذ ما أبعد ما بين هذه الأجساد