التي أبلاها البلى ، وبين الحال التي ستصبح عليها لو صحّ أنهم سيبعثون ..
ولو أنهم نظروا إلى ما دعاهم الله سبحانه وتعالى إليه ، من النظر في قوله تعالى : (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ) .. وفي قوله : (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) ـ لوجدوا أن لا فرق بين هذا التراب الذي جاءوا منه ، أو تلك النطفة التي تخلقوا منها ، وبين هذا التراب الذي صارت إليه أجسادهم .. بل إن فى أجسادهم الغائبة تحت التراب ، إشارات تشير إليهم ، وتاريخا يحدث عنهم! إنهم ـ وهم في التراب ـ أشبه بغائب ترجى له عودة ، وهم لم يكونوا من قبل شيئا! وشىء يعود إلى أصله ، أقرب في التصور من توقع وجود شىء من عدم!
ـ وفي قوله تعالى : (بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ) ـ إشارة إلى أن هؤلاء المشركين على ضلال في حياتهم الدنيا .. قد فتنوا بها ، وأذهبوا طيباتهم فيها ، وأطلقوا لهواهم العنان يذهب بهم كلّ مذهب .. وهذا ما أوقع في تفكيرهم أن لا حياة بعد الموت ، وأن لا حساب ولا جزاء ... لأن ذلك يعنى أن يعملوا حسابا لهذا الحساب ، وأن يتخففوا كثيرا مما هم فيه من ضلال ، وأن يستبقوا من يومهم شيئا لما بعد هذا اليوم .. وإنه ليس لهم إلى ذلك من سبيل ، وقد غلبتهم أهواؤهم ، واستولت عليهم دنياهم .. وإذن فلا يوم بعد هذا اليوم ، ولا حياة بعد هذه الحياة .. إنهم ـ والحال كذلك أشبه بالجند في ليلة الحرب .. يقضونها ليلة صاخبة معربدة ، حتى الصباح ، ينفقون فيها كل ما معهم .. ثم ليكن في الغد ما يكون!!
قوله تعالى :
(قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ).
توفية الشيء : استيفاؤه وأخذه كاملا وافيا ، وعبّر عن الموت بالتوفى ،