للمبالغة في النفي ، وإنه نفى لازم لا يتعلق بزمن ، بل هو واقع في الزمان كله ، ماضيه وحاضره ومستقبله ، على خلاف النفي بلا الذي يقيّد النفي بالمستقبل وحده .. تقول : لا أفعل هذا الأمر ، إذا كنت على نية ألا تفعله ، حالا أو استقبالا ، فإذا قلت : ما أفعل هذا الأمر ، كان المعنى ، أنه لا يليق بك ، ولا ينبغى منك أن تفعله أبدا ، وأنه ما كان منك فعله في الماضي ، ولن تفعله حالا أو مستقبلا .. وعلى هذا جاء قوله تعالى لنبيه الكريم : (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) (٨٦ : ص) .. أي ليس لى أن أسألكم أي أجر على ما بلغتكم من رسالة ربّى في أي وقت من الأوقات .. ومنه قوله في هذه السورة ـ سورة الفرقان ـ (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً). (٧٥)
وعلى هذا ، فإن تسلط حرف النفي «ما» على الفعل «يعبأ» يعنى أن خلق الناس إنما كان لحكمة أرادها الله ، وأنه لو لا هذه الحكمة لما اتجهت إرادة الله سبحانه إلى خلقهم ، وهذه الحكمة هي أن يعبدوه ، وفي هذا يقول الله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (٥٦ : الذاريات) ، فخلق النّاس ، وقيومة الله سبحانه وتعالى عليهم ، وتسخير ما سخّر لهم ، وإنعامه بما أنعم به عليهم ـ إنما كان ليعبدوه ، ولتتجلّى فيهم آيات قدرته ، وعلمه ، ومن أجل هذا عبأ الله سبحانه وتعالى بهم ، ونظر إليهم ، وجعلهم خلقا من خلقه!!.
وقد يسأل سائل : فيقول : إن أكثر الناس لا يعبدون الله أي لا يدعونه ، ولا يعترفون بوجوده ، فكيف تتحقق حكمة الله من خلق الناس؟ وكيف يعبأ بهم ، وهم لا يعبدونه ولا يدعونه؟.
وقد أجبنا على هذا الاعتراض من قبل ، إذ قلنا : إن الذين آمنوا بالله ،