سلسالها ، وروعة بيانها ، وصلصلة أنغامها ، ثم استروح أنسام هذا الإعجاز الذي يطلع عليك ، من هذا المنطق المحكم ، الذي يستولى بسلطانه على كل نفس ، وينفذ بقدرته إلى كل قلب ..
فإنك إن فعلت ـ وخير لك أن تفعل ـ رجعت وملء إهابك خشوع وولاء ، لآيات الله ، ولكلمات الله ، وكنت في هذا الموكب الكريم ، الذي ينتظم عباد الرحمن ، الذين إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا .. (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) (١٠٩ : الإسراء) ..
قوله تعالى : (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً) ..
وبهذه الآية تختم السورة ، وهي إعلان عام للناس جميعا ـ مؤمنين وكافرين ، مهتدين وضالين ـ إعلان لهم أنهم ما خلقوا إلا ليعبدوا الله ، وأن من لا يعبد الله ، فكأنه غير مخلوق ، لأنه لم يؤدّ ما خلق له.
وعبأ بالشيء يعبأ به : إذا اهتمّ به ، وعمل له حسابا .. والعبء : الحمل الثقيل ، من ماديات أو معنويات ..
والمعنى : أنكم أيها الناس ، إنما خلقتم لتعبدوا الله ، وتسبّحوا بحمده ، وأن من فاتته هذه الغاية ، فقد سقط من حساب المخلوقات .. فقيمتكم أيها الناس عند الله هي في عبادتكم له ، واتجاه وجوهكم إليه ، فى السّرّاء والضّرّاء ، وأنه لو لا هذا ، ولو لا أن فيكم مؤمنين بالله ، عابدين له ، لما كان لكم وزن في عالم المخلوقات .. فإذا اعتدل ميزانكم ، وأقيم لكم وزن ، فإنما ذلك بفضل المؤمنين منكم.
وفي تسليط حرف النفي «ما» على الفعل «يعبأ» بدلا من «لا» الذي يتسلط على الفعل المضارع ، على حين يتسلط الحرف «ما» على الفعل الماضي ـ وذلك