فبالصبر ، استطاعوا أن يصمدوا أمام الشدائد ، وأن يحتملوا ما يصابون به في أموالهم وأنفسهم ، مستسلمين لأمر الله ، راضين بقضائه .. وبالصبر قهروا نوازع أهوائهم .. فالصبر ، هو زاد المؤمن على طريق الإيمان ، وهو القوّة التي تشدّه إلى الله ، وتمسك به على طريق الحق والخير ..
والغرفة ، أعلى مكان في الجنة ، وهي في البيت أعلى موضع منه .. وهي فى الجنة ليست غرفة واحدة ، وإنما هي غرفات ، كما يقول الله تعالى : (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ) .. وإنما أفردت هنا لأن المراد بها ، المنزلة ، أي يجزون المنزلة التي فيها الغرفة ، وفيها الغرفات ، لأنها جميعها في درجة واحدة.
قوله تعالى : (وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً) أي أن الذين ينزلون بهذه الغرفة ، هم في موضع احتفاء وتكريم ، وأن مما يكون لهم فيها من صور الإحسان ، أن تتردد عليهم الملائكة ، وتغشى مجالسهم ، بالتحية والسلام .. وفي ذلك ما فيه من أنس وروح لهم ..
قوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً) .. أي أنهم ساكنون ووادعون في هذه الغرفة ، سكون أمن وطمأنينة وقرار .. لا يريدون التحول عنها ، فقد حسن فيها مستقرّهم ، وطاب فيها مقامهم ..
هذا ، ويلاحظ أن عرض صفات المؤمنين ، الذين استحقوا ، أن يضيفهم الله سبحانه وتعالى إليه ، وأن ينزلهم منازل رحمته ، وأن يكونوا عباد الرحمن ـ يلاحظ أن هذه الصفات لم تجىء مرتبة ترتيبا تصاعديا أو تنازليا .. وذلك لغاية قصد إليها القرآن ، كما سنرى.
فأول صفة لعباد الرحمن .. أنهم (يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً ، وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً).