ضعف وذلّة ، وإنما هو عن قوة نفس ، ومتانة خلق ، وكرم طبيعة .. وكلّ إناء ينضح بما فيه .. وكل شجرة لا تعطى إلا من ثمرها .. فالشجرة الطيبة. تعطى ثمرا طيبا ، والشجرة الخبيثة لا تعطى إلا ثمرا خبيثا ..
ـ (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً).
أي ومن صفات عباد الرحمن أن قلوبهم لا تخلو من ذكر الله أبدا ، وأنهم يقضون نهارهم في كفاح وعمل ، فإذا جهّم الليل أقبلوا على ربّهم بالعبادة والذكر ، راكعين ساجدين .. والليل هو أنسب الأوقات للعبادة ، ومناجاة الله سبحانه وتعالى ، حيث تسكن النفوس ، وتجتمع الخواطر ، وتهدأ القلوب ، فيجد الإنسان منطلقه في عالم الروح ، وقد انزاحت من طريقه السدود التي يقيمها ضجيج الحياة ، ولغط الأحياء أثناء النهار .. وقد نوه القرآن الكريم في أكثر من موضع بشأن العبادة في أوقات الليل ، وما للعابدين عند الله في تلك الأوقات ، من رضا ورضوان ، فيقول سبحانه للنبى الكريم. (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً* وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) (٧٨ ـ ٧٩ : الإسراء). ويقول له سبحانه : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ. قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً* أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً. إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً. إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً). (١ ـ ٦ : المزمل) ويقول سبحانه في وصف المتقين من عباده ، وما أعدّ لهم من جزاء عظيم : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (١٥ ـ ١٨ : الذاريات).
وفي قوله تعالى : (لِرَبِّهِمْ) ـ إشارة إلى أنهم يقصرون عملهم كله بالليل