فليوطن نفسه على هذا ، وليستعد لحمل أفدح الضربات .. وإلا فليأخذ طريقا غير هذا الطريق ، وأمامه أكثر من طريق فسيح.!
والمؤمنون الأولون الذين دخلوا في الإسلام ، ورسخت أقدامهم فيه ، هم ـ كما شهد التاريخ ـ أصفى الناس جوهرا ، وأكرمهم معدنا .. فقد كانوا خلاصة مجتمعهم ، وثاقة عزم ، وقوة يقين .. فاحتملوا من الشدائد والمحن ما تتصدع به الجبال الراسيات .. (فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا .. وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) «١٤٦ : آل عمران»
ومن أجل هذا ، فقد شهد القرآن الكريم لهذه الصفوة المتخيرة من عباد الله أكرم شهادة ، وجعل ميزان الواحد منهم يعدل عشرة من غير المؤمنين ، فقال تعالى :
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) (٦٥ : الأنفال) ..
وأنت ترى أن الصفة التي فرق بها القرآن بين هؤلاء المؤمنين ، والمشركين ، هى «الفقه» .. وهو ليس ذلك العلم النظري ، وإنما هو الحق الذي يملأ القلوب نورا ، فيكشف لصاحبه من آيات الله ، ودلائل قدرته ، وعلمه ، وحكمته ، ما يصغر به كل شىء ، إزاء عظمة الخالق وجلاله ..
قوله تعالى :
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ).
هو لفتة تلفت المؤمنين ، الذين يعانون ما يعانون من أعباء الإيمان وتبعاته ـ إلى هؤلاء المشركين ، الذين خلت دنياهم من هذا البلاء ،