إلى الإنسان .. فإن نظر إليه على أنه إنسان يسمو بإنسانيته عن الانتساب إلى عالم الحيوان ـ كان على مستوى التقدير الأول ، وإن نظر إليه على أنه حيوان ، يريد أن يتحسس طريقه إلى الإنسان ـ كان على مستوى التقدير الثاني.
وانظر : إنه لو ترك للإنسان الحبل على الغارب ، لكان له أن يتصل بأية امرأة يريدها ويشتهيها .. وهذا من شأنه أن يجعل جميع النساء مباحات له .. يتصل بهنّ ، بوسيلة أو بأخرى ..
وهذا القدر المحدود المباح له من النساء ، هو استثناء من هذا الحظر العام ، وهو بالقياس إلى الحظر العام ، لا يكاد يعدّ شيئا ، يحسب حسابه. حتى لكأن الحظر العام قائم ..
فقوله تعالى : (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) تذكير بهذه النعمة ، التي أتاحت للإنسان أن يتصل بالمرأة فى هذه الحدود ، وهى وإن وجدها ضيقة ، لا تشبع جوعه الحيواني ، فإن عليه أن يذكر أنه إنسان ، وأنه كان من مطلب الجانب الروحي منه ، ألا يكون هناك هذا المنفذ الذي ينفذ منه إلى المرأة .. ومع ذلك فإنه غير ملوم فى الاتصال بالمرأة فى هذه الحدود ، وإن جار هذا على الجانب الروحي منه ، وهذا كله يعنى القصد فى هذا الأمر ، والاعتدال فيه ، وألا يكون الإنسان على سواء مع الحيوان!
وفى قوله تعالى : (فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) ـ تحذير من مجاوزة هذه الحدود ، والانطلاق إلى ماوراءها ، فإن ذلك هو دخول فى عالم الحيوان باربعة أرجل ، وهو عدوان على إنسانية الإنسان ، واعتداء على حدود الله!
قوله تعالى :
(وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) ـ هو من صفات هؤلاء المؤمنين