المفسّرون والقصّاص ، من واردات الخيالات والأوهام ، فكان منها تلك الخرافة المعروفة (بالغرانقة العلا) التي كثرت فيها الأقوال ، وتضاربت حولها الآراء ، حتى كادت تدخل مدخل الواقع ، وتلبس ثوب الحقيقة ، لدورانها على الألسنة ، وتقليب وجوه الرأى فيها ، وهى كائن ميت ، كان من الواجب أن يوارى من أول يومه ، ويدفن فى التراب ، وألا ينبش بين الحين والحين ، فإن تقليب جثث الموتى لا تجىء منه إلا الروائح الخبيثة ، التي تزكم الأنوف ، وتكظم الأنفاس! وقد كنّا نريد ألا ننبش هذا الجسد المتعفن ، وألا نثير منه تلك الروائح الخبيثة التي تضيق بها صدور المؤمنين ، لو لا أننا نخشى أن يكون لبعض المؤمنين نظر فيها ، ووقوف أو توقّف عندها ، وهم يقرءونها فى كتب التفاسير ، ويجدونها فى ثنايا كتب السيرة النبويّة العطرة!.
فيثير ذلك فى نفوسهم قلقا ، واضطرابا ، ويحرّك فى صدورهم وساوس وظنونا! ولهذا لم نر بدّا من الوقوف عند هذه القصة ، والكشف عن زيفها وباطلها ..!
ولكن قبل الدخول فى هذا البحث ، أعود فأذكّرك بالنظر إلى قوله تعالى فى الآية السابقة : (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ ..) وإلى أن هذه الآية موجهة إلى المشركين ، وإلى عبثهم بآيات الله ، وإلى مغالبتها ومعاجزتها باللّغو فيها ..
فالمشركون متّهمون بهذه الجريمة ، وهى الدخول إلى آيات الله ، بما يغيّر وجهها ، ويبدّل صورتها ، ويعطيهم الحجة عليها ، بعد أن كانت لها الحجة عليهم ..
إذا عرفنا هذا ، وسلمنا به ـ وهو واضح لا يحتاج إلى من يدلّ عليه ، وهو أمر مسلّم به ، لا يجوز الخلاف فيه ـ كان ذلك هو مقطع القول فى هذه القضية ،