إذ الناس مع هذا الإنذار ، بين ملتفت إليه ، مستفيد منه ، آخذ طريق النجاة ، وبين ذاهل عنه ، أو مستخفّ به ، أو مكذّب له .. فهو فى غفلة من أمره ، قائم فى وجه العاصفة العاتية التي تجتاح كل شىء ، وتدمر كل شىء ..
فأما الذين استمعوا لهذا النذير ، وآمنوا بالله ، وعملوا الصالحات ، فقد ركبوا طريق النجاة ، ولهم من الله مغفرة ، ورحمة ، ورزق كريم ..
(وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ ..)
أي : وأما هؤلاء الذين لم يستمعوا لهذا النذير المبين ، ولم يستضيئوا بالنور الذي معه ، بل تصدّوا لهذا النور ، وأرادوا أن يطفئوه بأفواههم ، وبما يخرج منها من أكاذيب وأضاليل ـ هؤلاء هم أصحاب الجحيم ، فليس لهم من صاحب إلا جهنم وما تمدّهم به من عذاب أليم .. إنهم أشكل بها ، وهى أقرب شىء إلى طبيعتهم.
ـ وفى قوله تعالى : (سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ) إشارة إلى سعى هؤلاء المشركين ، وأنه سعى للباطل والضلال ، حيث يسعون لإعجاز آيات الله ، وغلبتها وصرفها عن طريقها .. وفى تعدية الفعل بحرف الجر «فى» الذي يفيد الظرفية ، إشارة إلى أنهم يدخلون فى آيات الله ويلبسون الحقّ بالباطل ، إذ يحرفون الكلم عن مواضعه ، ويلقون فيه بالهذر من القول ، والسّخف من الكلام ، كما حكى القرآن ذلك عنهم فى قوله تعالى :
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) (٢٦ : فصلت).
وأريد أن تلتفت التفاتة خاصة إلى قوله تعالى : (مُعاجِزِينَ) وأن تقف لويلا عندها ، فإن لها شأنا فى تلك القصّة العجيبة المثيرة ، التي نسج خيوطها