بعد هذا الضياع ، وأنهم أصبحوا أصحاب شوكة أكثر من شوكة البابليين الذين ساموهم الخسف .. والنفير : الجماعة التي تنفر للحرب وتخفّ مسرعة إليها ..
ثم جاء بعد هذا قوله تعالى : (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) تحذيرا لبنى إسرائيل ، أن يركبوا الطريق الذي ركبه آباؤهم من قبل ، وأن يفسدوا فى الأرض كما أفسدوا ، فيحلّ بهم ما عرفوه من بلاء حل بآبائهم.
ثم إذا أعدنا النظر إلى بنى إسرائيل بعد الأسر البابلي ، لم نجد لهم دولة ظاهرة ولا ملكا قائما .. وإنما هم دويلات ممزقة ، متقاتلة فيما بينها ، تخرج من حكم البابليين لتقع تحت حكم الفرس فى سنة (٥١٨ ق. م) .. ثم تحت حكم الرومان ، إلى أن جاء الفتح الإسلامى .. الذي أدخل بيت المقدس فى دولته ، فأصبح المسجد الأقصى من مساجد الإسلام .. ليس لبنى إسرائيل شأن به منذ ذلك الوقت إلى يوم الناس هذا ..
وإذن ، فهناك المرّة الثانية ، وهى التي أشار إليها قوله تعالى : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً) ..
والسؤال هنا هو :
هل جاء وعد الآخرة .. أي المرة الثانية؟ وإذا لم يكن قد جاء فمتى يجىء؟ وما الإرهاصات الدالة عليه؟
والجواب على هذا :
أولا : أن هذا الوعد ـ وعد الآخرة ـ كان إلى نزول القرآن الكريم غير واقع ، وأنه سيقع فى المستقبل ، القريب ، أو البعيد .. والدليل على هذا ما يحدّث به القرآن الكريم فى هذا المقام.