فقد تحدّث القرآن الكريم عن مجىء المرة الأولى هكذا :
(فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً) ..
وتحدث عن مجىء المرة الثانية هكذا :
(فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً).
فالآيتان تحدثان عن المستقبل ، الذي يدل عليه الشرط : «إذا» .. وهذا يعنى أن المرتين على سواء ، فى تعليقهما بالمستقبل ، وقت نزول القرآن .. الأمر الذي يجعل القول بأن إحداهما قد وقعت ، والأخرى لم تقع .. قولا لا حجة عليه ، ولا مبرّر له ..
ولكن الذي ينظر فى الآيتين ، يجد :
ـ أن الشرط الذي يعلّق الفعلين بالمستقبل ، هو منظور فيه إلى ما قضاه الله سبحانه وتعالى فى كتابه ، وجعله قدرا مقدورا على بنى إسرائيل ، فى وقوع هاتين المرتين من الإفساد .. وعلى هذا يكون وقوع الأحداث المسطورة فى كتاب الله كلها ، لم تكن وقعت ، حين قضى الله بها ، وأودعها خزائن علمه ..
ـ وعند النظر فى الآيتين الكريمتين ، نجد أن النظم القرآنى قد خالف بينهما .. فجعل ما وقع منهما عند نزول القرآن معبّرا عنه بلفظ الماضي : «بعثنا .. جاسوا» .. على حين جعل المرّة التي لم تقع بلفظ المستقبل : (لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ .. وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا).
ـ ولو تساوت المرتان ، فى الوقوع ، أو عدم الوقوع ، عند نزول