وليس يعترض على هذا أيضا بقول من يقول : كيف يسلّط لله الكافرين على المؤمنين ، فقد كان بختنصر وقومه وثنيين ، على حين كان بنو إسرائيل أهل كتاب .. مؤمنين بالله؟
والجواب : أن بنى إسرائيل ، وإن كانوا أهل كتاب ، فإنهم قد مكروا بآيات الله ، وبغوا فى الأرض ، وملأوا الدنيا من حولهم ظلما وبغيا .. فهم ـ وإن كانوا مؤمنين ظاهرا ـ لم يكونوا أحسن حالا من الوثنيين فى أفعالهم السيئة المنكرة .. والله سبحانه وتعالى يقول : (كَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (١٢٩ : الأنعام) وكذلك يبتلى الله الظالمين بالظالمين ، أو بمن هم أشد ظلما منهم ، فهى نقم تضرب فى وجه نقم ، وظلم يسوء وجوه الظالمين!
ثم جاء بعد هذا قوله تعالى : (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) .. وفى هذا إشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى بعد أن أخذهم بعقابه ، وألقى بهم فى هذا الضّياع زمنا ، كما فعل بهم حين ضرب عليهم التيه أربعين سنة ـ عاد الله سبحانه بفضله عليهم ، وأخرجهم من هذا البلاء ، بعد أن جعل من الآباء عبرة للأبناء ..
ومعنى ردّ الكرة عليهم أنهم أخذوا مكان القوة ، على حين نزل القوم الذين ابتلاهم الله بهم إلى حال أشبه بتلك الحال التي كان عليها اليهود من الذلة والهوان ، وذلك حين أغار الفرس ، على البابليين ، واستولوا على أوطانهم ، وجعلوهم غنيمة لهم ، كما فعل البابليون ببني إسرائيل .. (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) (١٤٠ : آل عمران).
وفى قوله تعالى : (وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) إشارة إلى القوة التي لبسوها