ثم سلط الله على المملكتين من يضربهما الضربة القاضية ، ويقضى عليهما القضاء التام ـ فقام الأشوريون فى عام (٨٥٣ ق. م) وقضوا على مملكة إسرائيل ، وضموها نهائيا إلى أشور ، وقضوا على كل وجود للشخصية الإسرائيلية حيث وقع معظمهم تحت القتل ، ومن نجا منهم من القتل ، وقع فى الأسر ، وأصبح سلعة تباع فى الأسواق ..
ولما ورث البابليون دولة الأشوريين فى العراق ، فعلوا فى مملكة «يهوذا» ما فعله الآشوريون فى مملكة «إسرائيل».
ففى سنة (٥٨٦ ق. م) غزا البابليون مملكة «يهوذا» بقيادة ملكهم بختنصر ، واستولوا عليها ، ودمّروا الهيكل ، وقادوا القوم ورؤساءهم أسرى ..
وهكذا أصبحت مملكة سليمان كلها تحت الحكم البابلي ، أو الأسر البابلي.
وعلى هذا يمكن أن نقول إن هذا الأسر البابلي هو الذي يشير إليه قوله تعالى : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً). فهذا الحدث هو أقرب وأبرز بلاء وقع على بنى إسرائيل ، بعد أن أفسدوا فى الأرض وعلوا علوّا كبيرا ..
وليس يعترض على هذا بأن «بختنصّر» لم يكن من المؤمنين بالله ، وإذن فلا يصحّ أن ينسب إلى الله. فى قوله تعالى : (عِباداً لَنا) فإن بختنصر ـ إذا صحّ أنه لم يكن مؤمنا بالله ـ ليس إلا عبدا من عباد لله ، فالناس جميعا ـ مؤمنهم وكافرهم ـ هم عبيد الله. والله سبحانه وتعالى يقول : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) (٩٣ : مريم).
ويقول سبحانه لإبليس ـ لعنه الله ـ : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ. إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) فقد أضاف الله سبحانه الناس جميعا إليه .. هكذا : «عبادى» .. ومن عباده هؤلاء الغاوون.