يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً ، وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً) ..
والذي ينبغى الالتفات إليه هنا ، هو أن أهل العلم من أهل الكتاب ، هؤلاء الذين إذا يتلى عليهم القرآن (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً) ـ لم يكونوا قد وجهوا بالقرآن بعد ، ولم يكونوا قد دعوا إلى الإيمان به .. إذ كانت الدعوة لا تزال تمهدّ الأرض التي تركّز رايتها فيها ، وتجعل منها منطلقا لرسالتها فى الناس جميعا .. حيث تخيرت الأمة العربية التي نزلت بلسانها ، لحمل هذا الشرف العظيم .. ومع هذا ، فإن أهل الكتاب ـ وخاصة أهل العلم منهم ـ كانوا يرصدون مطلع النبوة ، ويشهدون هذا الصراع المحتدم فى مكة بين قريش وبين النبىّ الذي ظهر فيهم ، وما يتلو عليهم من آيات الله .. وكانت تلك الآيات ، تطرق أسماع العلماء من أهل الكتاب ، فيعرفون وجه الحق فيها ، فتخشع لذلك قلوبهم ، وتفيض بالدمع عيونهم ويخرّون للأذقان يبكون!
وفى هذا الذي يتحدث به القرآن إلى أهل مكّة عن علماء أهل الكتاب ، وعن موقع كلمات الله وآياته هذا الموقع منهم ـ فى هذا تسفيه لأهل مكة ، ولتفّلتهم عن هذا الخير الوارد عليهم ، ثم هو من جهة أخرى تحريض لهم على أن يبادروا هذا الخير فيأخذوا حظهم منه ، قبل أن يقلت من أيديهم ، ويسبقهم إليه أهل الكتاب ، وهم الذين كانوا ينفسون على أهل الكتاب هذا العلم الذي جاءتهم به رسل الله فى هذه الكتب التي فى أيديهم ، والذين كانوا يقولون ما حكاه القرآن عنهم : (لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ) (١٥٧ : الأنعام) .. فها هم أولاء قد أنزل عليهم الكتاب الذي كانوا يتمنّونه ، وها هم أولاء يزورّون عن هذا الكتاب ، ويزهدون فيه ، بل ويرجمونه بأيديهم