لِلْأَذْقانِ سُجَّداً وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً) .. فى هذا إشارتان :
أولاهما : أن هذا القرآن لا يقدره قدره ، ولا يعرف فضله ، إلا من انتفع بعقله ، وأحسن الاستماع إليه ، والتلقّى عنه .. وأنّ أصحاب العقل والحجا وأهل العلم والمعرفة ، هم أقرب الناس نسبا إلى هذا القرآن ـ وأكثرهم معرفة به ، وأصدقهم نظرا إليه ، وعرفانا بقدره وفضله.
وثانيتهما : أن هذا القرآن ، قد جعل للعرب عامة ، ولأهل مكة خاصة فضل السبق إليه. والوقوف على موارده .. فجاء إليهم بلسان عربى مبين ، هو لسانهم الذي به يتعاملون .. ثم هو من جهة أخرى قد سعى إليهم ، وحلّ بينهم ، دون أن يبذلوا جهدا أو مالا .. فإن هم أحسنوا استقباله ، وأخذوا بحظّهم منه ، فذلك هو خيرهم المدعوّون إليه ، وإن هم أساءوا مقامه فيهم ، وغلّوا أيديهم عن تناول قطوفه ، والأخذ من ثمره ، ارتحل عنهم إلى غيرهم ، ونزل عند من يعرف قدره ، ويحسن الأخذ عنه ..
والقوم الذين يتلفت إليهم القرآن فى هذا الموقف ، ويؤذن أهل مكة بالتحول عنهم إليهم ، هم أهل العلم ، من أهل الكتاب ، من اليهود والنصارى. فأهل العلم هؤلاء يعرفون قدر هذا القرآن ويعلمون ـ بما عندهم من علم ـ أنه كلام الله ، وأن الرسول الذي يتلوه ـ هو رسول الله .. وأن هذا القرآن إذا يتلى عليهم خشعوا له ، وخرّوا على أذقانهم سجّدا بين يدى آياته وكلماته .. كما يقول سبحانه وتعالى فى القسيسين والرهبان من النصارى : (وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ، يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (٨٣ : المائدة) ..
وهذا ما يشير إليه قوله تعالى فى الآية : (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا