افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٧ : الصف).
قوله تعالى : (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً) .. القتور. البخيل ، البالغ الغاية فى البخل ، والإقتار : ضد الإسراف ، كما يقول سبحانه وتعالى : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) (٦٧ : الفرقان).
وضمير الخطاب : موجه إلى هؤلاء المشركين ، الذين أشار إليهم قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) ..
وفى العدول عن الغيبة إلى الخطاب ، ليواجه المشركون بهذا الاتهام ، وليكونوا هم وحدهم الممثلين للإنسانية فى هذه الصفة الذميمة ، صفة البخل ، الذي ينضح عن طبع جاف ، غليظ ، مستبدّ.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها ، هى أن الآيات السابقة ذكرت فيما ذكرت عن المشركين ، أنهم أعنتوا النبىّ وأبوا أن يستجيبوا له ، ولم يكن ذلك منهم عن جهل بهذه المعجزة الكبرى التي جاءهم بها النبىّ ، فهم أعلم الناس بالقرآن ، وأنه فوق أن يأتى البشر بسورة من مثله ، ولكن آفتهم التي ذهبت بهم مذاهب الضلال بين يدى هذا الصبح المشرق المبين ، هى أن الذي جاءهم بهذه المعجزة ، بشر مثلهم .. فكيف يكون لإنسان مثلهم أن يستأثر بهذا الفضل ، ويستولى على هذا السلطان؟ ـ فناسب ذلك أن يجىء قوله تعالى : (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً) وفى هذا ما يكشف عن الطبيعة الكامنة فيهم ، بل الطبيعة الغالبة على الناس جميعا ، وهى حسد الناس بعضهم لبعض ، لما ركّب فيهم من أثرة وحبّ للذات!