فلو أن إنسانا ملك الدنيا كلها بين يديه لاستحوز عليها لنفسه ، ولأبى أن يشاركه أحد فيما ملك .. وأكثر من هذا .. فإنه لو أن إنسانا من الناس ملك خزائن رحمة الله التي لا تنفد أبدا على الإنفاق منها ، لما أعطى أحدا منها شيئا .. لا لشىء ، إلا لأنه يريد بهذا أن يكون السّيد المفرد بين الناس!
فالإنسان يرى أخاه الإنسان منافسا خطيرا له ، وفى مجال هذا التنافس يقوم ، بين الناس والناس التحاسد ، حتى ليتمنّى بعضهم لبعض الفقر والحاجة! على حين أن الإنسان لا ينفس على المخلوقات الأخرى ما حباها الله به من قوة أو سلطان أو جمال! وقد قيل : «لا كرامة لنبىّ فى وطنه» .. ولله درّ المعرّى إذ يقول :
أولو الفضل فى أوطانهم غرباء |
|
تشذّ وتنأى عنهم القرباء |
ومن هنا كانت العداوة أشدّ بين الناس كلّما تشاكلت أحوالهم ، وتقاربت ديارهم!
ـ ففى قوله تعالى : (لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ) كلام محذوف ، تقديره : لأمسكتم خشية أن تنفقوا فتتسع أرزاق الناس ، ويكثر الخير فى يدهم ، وفى هذا ما يفوت عليكم مقام التفرّد ، والاستعلاء على الناس!
ـ وقوله تعالى : (وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً) هو حكم عام على الناس فى جملتهم ، وأنهم يمسكون أيديهم عن الإنفاق ، ولو كان لأحدهم ملء الأرض ذهبا ، ليحقّق ذاته ، ويفردها بين الناس بما جمع من كنوز الدنيا ..
والرسول الكريم يقول : «لو كان لابن آدم واديان من ذهب لمنّى ثالثا!!» .. وإنه ليس به من حاجة إلى هذا الثالث ، بل إنه ليكيه القليل مما ضمّ عليه أحد الواديين .. ولكنه كما قلنا ـ الأثرة وحبّ الذات!