الناس بشىء ينقص من قدرها عندهم ، وينزل من منزلتها فى نفوسهم .. ويقولون له فيما يقولون : (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا ، أَوْ بَدِّلْهُ) .. فيجيئه أمر الله : (قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي .. إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ) (١٥ : يونس).
ولا يجد هؤلاء الضالّون المتكبّرون مقنعا فيما يجيبهم به النبىّ على ما يسألون ، ولا يرضيهم منه ، أو يدفع عنه سفههم ، إلّا أن يأتى بقرآن غير هذا القرآن ..
ـ وفى قوله تعالى : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ) إشارة إلى هذا الصّراع العنيف بين هؤلاء المشركين وبين النبىّ ، وإلى ما يسوقون إليه من ألوان التهديد والوعيد .. حتى ليبلغ الأمر غايته من الشدّة والبلاء ، وحتى ليكادا لنبىّ يصل إلى حال يوشك أن يفلت فيها الأمر من يده ، إذ جاوز حدود ما تحمل الطاقة البشرية من جهد وعناء ، كما يقول سبحانه وتعالى فيما يعرض للرسل من بلاء : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا) (١١٠ : يوسف).
فهذا التصوير للموقف ، يكشف عن مدى ما يسوق الكافرون إلى النبىّ من أذى ، وما يأخذونه به من عنت .. وأنه صلوات الله وسلامه عليه وهو فى معرض هذه العواصف الهوجاء ، يمسك نفسه على الطريق الذي أقامه الله تعالى عليه ، ويضمّ يديه فى قوة وإصرار على الرسالة التي حمّلها الله إياه ، إلى أن يحكم الله بينه وبين قومه! ..
ـ وفى قوله تعالى : (وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً) إشارة إلى أنه لو تحوّل النبىّ قليلا إلى ممالأة قومه ، ونزل شيئا عما يدعوهم إليه ، لجاءوا إليه موادعين مسالمين ، ولهدأت هذه العواصف المزمجرة حوله ، ولجرت سفينته فى ريح رخاء!.