قوله تعالى : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) بيان لفضل الله تعالى ، على النبىّ الكريم ، إذ شدّ أزره ، وثبّت على الحق قدمه ، فلم يزلّ ولم ينحرف.
ـ وفى قوله تعالى : (لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) إشارة إلى ما عند النبىّصلىاللهعليهوسلم من رصيد عظيم من العزم والصبر ، وأنه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ مع هذا الكيد العظيم الذي يكيد له به قومه ، لو ترك وشأنه لما تزحزح عن موقفه إلا شيئا قليلا .. ولكنّ أمداد السماء قد جاءته فى وقتها فأمسكت به ، فربطت على قلبه ، وشدّت من عزمه وثبتت من قدمه .. وهكذا يصنع الله لأوليائه وأحبائه ، فيدفع بهم إلى مواطن البلاء ، حتى يبلوا بلاءهم ، ويعطوا كل ما عندهم ، وحتى إذا كاد يفرغ كل ما معهم ، وينفد كلّ ما لديهم ، جاءهم نصر الله ، وتتابعت عليهم أمداده.
ـ وقوله تعالى : (لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً).
ركن إلى الشيء : مال إليه ..
والنبىّ صلىاللهعليهوسلم لم يركن إليهم ، ولم يمل إلى ما يدعونه إليه ، ولو قيد أنملة ، وإن كاد يفعل ذلك ، ولكن الله سلّم .. ونحو هذا قول الشاعر :
هممت ولم أفعل وكدت وليتنى |
|
تركت على عثمان تبكى حلائله |
وقوله تعالى : (إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً).
أي لو فعلت هذا ـ أيها النبىّ ـ وملت هذا الميل القليل لكان حسابك عسيرا .. فإن صغيرتك كبيرة ، لمقامك الكريم الذي أنت فيه ، وإنه على قدر علوّ مقامك يكون حسابك.