(وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) (١١٣ : النساء). ويقول له : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى).
ـ وقوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا) .. هو تطمين لقلوب أولئك الذين فتنوا فى دينهم ، وأعطوا كلمة الكفر بألسنتهم ، ولم يعطوا من الإيمان الذي انعقدت عليه قلوبهم شيئا .. فهؤلاء قد كشفوا عن حقيقة إيمانهم بهذا السلوك الطيب ، الذي أخذوا فيه طريقهم مع المؤمنين .. فهاجروا مع المهاجرين ، وجاهدوا مع المجاهدين ، وصبروا على ما لقيهم من بلاء وشدة فى مواقف الجهاد. فوطّنوا أنفسهم على الموت فى سبيل الله ، دون أن تحدثهم أنفسهم بالفرار من وجه العدو .. فهؤلاء يغفر الله لهم ما كان منهم ، ويقبلهم فى عباده المؤمنين ، المهاجرين ، المجاهدين .. وفى العطف «بثم» فوق أنه عزل للذين أعطوا كلمة الكفر بألسنتهم وقلوبهم مطمئنة بالإيمان ، عن أولئك الذين شرحوا بالكفر صدرا ـ كما أشرنا إلى ذلك من قبل ـ فيه إشارة إلى أن مغفرة الله لم تجئهم إلا بعد تراخ ، وإبطاء ، حتى لقد كادت لا تلحقهم ، وفى هذا ما يلقى ظلالا معتمة على التقية ، وأنه لا يلجأ إليها المؤمن إلا عند الضرورة القصوى.
ـ وفى قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) إشارة إلى المغفرة التي عاد الله سبحانه وتعالى بها على أولئك المفتونين ، بعد أن هاجروا ، وجاهدوا وصبروا .. فقدرحمهمالله ، وغفر لهم ، وأدخلهم فى عباده المؤمنين ..
والضمير فى قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِها) يعود إلى تلك الحال التي تلبّس بها المفتونون حين فتنوا فى دينهم ، وأعطوا كلمة الكفر بأفواههم ..
وفى عودة الضمير إلى تلك الحالة دون ذكرها ، إشارة إلى أنها شىء بغيض لا يذكر فى هذا المقام ، الذي لبس فيه أولئك المفتونون ثوب الإيمان ظاهرا