وباطنا ، والذي شملتهم فيه رحمة الله ومغفرته .. فكان من تمام تلك النعمة التي أنعم الله بها عليهم ألا يذكّروا فى هذا المقام بما يسوءهم ، وألا تمسّ مشاعرهم ذكريات هذا الماضي البغيض ، الذي انسلخوا منه وفارقوه .. ثم كان من الحقّ أن يدفن هذا المنكر ، وألا يرى المؤمنون له وجها أبدا ..
قوله تعالى : (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ).
هو تذكير بهذا اليوم العظيم ، يوم القيامة ، حيث يحاول كل إنسان جهده أن يدفع عن نفسه شرّ هذا اليوم ، فيتعلّق بكلّ ما يظن أنه مغن عنه شيئا فى هذا الكرب العظيم ، وحيث يكون الإنسان أكثر ما يكون حاجة إلى مغفرة الله ورحمته .. فإذا ذكر الإنسان هذا اليوم فى دنياه ، وذكر ما يستقبل الناس فيه من أهوال ، ثم ذكر رحمة الله ، ومغفرته ، اللتين ينالهما المتقون من عباده ، ويستظل بظلمها المؤمنون الذين يخشون ربّهم بالغيب ـ إذا ذكر الإنسان ذلك كلّه ، كان فى ذلك ما يشدّ عزمه ويقوّى يقينه ، ويمسك به على طريق الإيمان ، وإن مسّه الضرّ ، وأصابه المكروه ..
ـ فقوله تعالى : (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ) متعلق بقوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) .. أي إن مغفرة الله ورحمته يتجليان فى هذا اليوم ، يوم تأتى كل نفس تجادل عن نفسها .. وليس هذا بالذي يقصر تجلّى رحمة الله ومغفرته على هذا اليوم ، إذ رحمة الله ومغفرته لا يحدهما زمان ، ولا يحصرهما مكان .. ولكنّ الإشارة إليهما فى هذا الظرف ، إشارة إلى شدة الحاجة إليهما فيه ، وأنه إذا كان الإنسان فى حاجة دائمة إلى مغفرة الله ورحمته ، فإنه فى هذا اليوم أكثر ما يكون طلبا لهما ، واحتياجا إليهما ..