قوله تعالى : (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ) .. هو تعقيب على هذا العرض الكاشف لأولئك الذين كفروا ، وعموا عن الهدى ، وصمّوا عن الداعي الذي يدعوهم إليه ..
فهؤلاء لا شك فى أنهم هم الخاسرون ، إذ يجيئون إلى هذا اليوم العظيم ، وليس معهم غير الكفر ، وحسبه جرما ، أن يكون صاحبه حصب جهنم خالدا فيها أبدا.
قوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ).
العطف «بثم» هنا ، هو عطف حدث على حدث ، وموقف على موقف .. فهناك موقف للكافرين الذين لبسوا الكفر بعد أن دخلوا فى دين الله ، ونكصوا على أعقابهم لأول مسّة مستهم من أذى فى سبيل الله .. وهنا موقف لأولئك الذين لبسوا الكفر ظاهرا ، واستبطنوا الإيمان .. تقية من تلف النفس ، وفرارا من وطأة البلاء.
وفرق كبير بين هؤلاء ، وأولئك .. ولهذا جاء العطف بالحرف «ثمّ» ، الذي يشير إلى هذا الفاصل المعنوي الشاسع ، الذي يفصل بين الفريقين .. فأولئك كافرون .. وهؤلاء مؤمنون .. وما أبعد ما بين الكافرين والمؤمنين : (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ).
وفى قوله تعالى : (رَبَّكَ) بإضافة النبي الكريم إلى ربه الكريم ، مزيد من الفضل والإحسان إلى رسول الله من ربه ، الذي يضيفه إليه ، ويدعوه إلى ساحة كرمه وإحسانه ، وقد كررت هذه الدعوة ، فكانت إحسانا إلى إحسان ، ولطفا إلى لطف ، وحقّ للنبى الكريم بهذا الإحسان أن ينزل من ربه هذه المنزلة التي لا تعلوها منزلة لبشر .. وكيف والله سبحانه وتعالى يقول له :