الإنسان ، وبالصبغة التي صبغه الله عليها .. فهو لون واحد لا يتغير ، ولا يتبدل!
هى تجربة قاسية إذن ، تلك التجربة التي يخرج فيها الإنسان عن دينه ، ولو ظاهرا ، تحت حكم القهر والتسلط .. حيث يعالج الإنسان فى كيانه الداخلى صراعا صارخا ، تتمزق معه مشاعره ، وتتصدع به وحدة بنائه الفكرى ، وإذا هو فى تيه ، لا يطلع عليه من آفاقه ، إلا ما يزعجه ويؤرقه ..
ومن هنا جاء النظم القرآنى فى الآية الكريمة على هذا الأسلوب ، الذي يمسك بتلك المشاعر المضطربة ، ويصور تلك النفوس القلقة المذعورة ، التي انعقدت فى سمائها سحب متراكمة ، ترمى برعودها ، وبروقها ، وصواعقها ، فى غير مهل أو انقطاع ..
وهكذا يحكى النظم القرآنى بموسيقى ألفاظه ، ما تحدّث عنه الألفاظ بدلالة معانيها ، فيقع المعنى فى النفس موقعا متمكنا ، حيث يدخل عليها مصوّرا ، مجسدا ..
قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ).
الإشارة هنا إلى هذا الوعيد الذي توعد الله به سبحانه ، أولئك الذين كفروا بعد إيمانهم ، وعادوا إلى الكفر الذي كانوا فيه ، وأنسوا إليه كما يأنس الغريب بلقاء أهله ، بعد غيبة وفراق ، فلم يقع فى نفوسهم وحشة للكفر ، ولا تكرّه له.
فهذا الغضب الذي صبّه الله عليهم ، وهذا العذاب العظيم الذي أعده لهم ، إنما هو بسبب أنهم استحبّوا الحياة الدنيا على الآخرة ، وآثروا العافية مع