يعانون من صراع حاد ، بين ظاهرهم هذا الذين يعيشون به فى الناس ، وبين باطنهم الذي يعيشون فيه مع دينهم الذي أمسكوا به فى قلوبهم .. فكان من رحمة الله بالمؤمنين أن تقبّل ما فى قلوبهم ، وتجاوز لهم عما قالوا بأفواههم.
ـ فقال تعالى : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) .. فهذا الاستثناء يخرج من أكره ، فقال كلمة الكفر بلسانه ، واحتفظ فى قلبه بالإيمان الذي انعقد عليه .. ويلاحظ هنا أنه لم يتقرر فى الآية حكم لأولئك المستثنين من الكفر ، بل تركوا هكذا ، بمعزل من الكافرين ، الذين عادوا إلى الكفر بأفواههم وبقلوبهم جميعا .. وهذا يعنى أن «التقيّة» وإن كانت بابا من أبواب التيسير والرحمة بالمؤمنين ، إلا أنها باب محفوف بالمخاطر ، لا يدخله الإنسان إلا على حذر وإشفاق ، وإلا ريثما يمسك نفسه من التّلف .. فإن هذه حال لا ينبغى أن يركن إليها المؤمن ، أو يطمئن إلى مقامه فيها .. إذ هو يلبس فيها ثوب النفاق ظاهرا .. ولا يجتمع إيمان ونفاق أبدا ..
روى أن المشركين من قريش أرادوا عمار بن ياسر ، وأباه ياسرا وأمّه سميّة ، على الكفر بعد أن أسلموا ، وأخذوهم بالبأساء والضراء ، فأبوا ، فربطوا سميّة ، بين بعيرين ثم وجئت بحربة فى قبلها ، وقالوا إنما أسلمت من أجل الرجال ، فماتت ، ومات ياسر قتيلا كذلك ، فكانا أول قتيلين فى الإسلام ، أما عمار فأعطى المشركين بلسانه ما أكرهوه عليه ، فقيل لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : إن عمارا كفر!! فقال ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «كلا. إن عمّارا ملىء إيمانا من قرنه إلى قدمه ، واختلط الإيمان بلحمه ودمه!!»
وروى أن مسيلمة الكذاب أخذ رجلين ، فقال لأحدهما ما تقول فى محمد؟ قال : «رسول الله» فما تقول فىّ؟ قال : وأنت أيضا ..! فخلّى سبيله .. ثم قال للآخر : ما تقول فى محمد؟ قال : «رسول الله» قال : فما تقول فىّ؟ قال : أنا