والعافية من كل سقام ، والاستقامة من كل ضلال .. كما يقول الحق جلّ وعلا : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (٨٢ : الإسراء) وكما يقول سبحانه : (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) (٤٤ : فصلت).
وقوله تعالى : (وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ).
مناسبة هذه الآية لما قبلها ، هى أنه لمّا ذكر فى الآية السابقة ، أن القرآن الذي نزل على النبىّ ، هو شفاء لما فى الصدور وروح للأرواح ، وحياة للنفوس ، فناسب أن يذكر ما ينزّل من السماء من ماء هو روح الحياة ، وحياة الأحياء .. وبهذا تتم نعمة الله ، حيث ينزل على عباده من رحمته ، ما تحيا به حياتهم ، المادية والروحية ، جميعا ..
وفى قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) إشارة إلى أن الآية المبصرة هى التي يتلقّاها الناس من كلمات الله ، حين تتلى عليهم ، لا من تلك الآيات الكونية التي يرونها بأبصارهم .. فهذه الآيات الكونية وإن كانت موطنا للعبرة ، ومرادا للتبصرة ، إلا أن كلمات الله التي تعيها آذان واعية ، وتتلقاها قلوب متفتحة ـ هذه الكلمات هى أوضح بيانا ، وأفصح لسانا ، وأفعل أثرا ، إذ هى النور الذي تنكشف على أضوائه الآيات الكونية المبثوثة فى الأرض والسماء .. وهذا هو السر فى أن جاءت فاصلة الآية الكريمة : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) ولم تجىء هكذا : «لقوم يبصرون» حيث كان ذلك هو التعقيب المناسب للآية التي تحدّث عن الماء الذي ينزل من السماء ، وأثره فى إحياء الأرض .. وكل هذه صور ترى ولا تسمع».