ورحمته بهم ، لأنهم نجوا من هذا البلاء .. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى فيما يتحدث به أهل الجنة : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ* قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ* فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ) (٢٥ ـ ٢٧ : الطور)
وقوله تعالى : (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ، ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً) .. هو فى مقابل قوله تعالى فى مساءلة الكافرين : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ..
فالذين اتقوا ربّهم ، عرفوا طريقهم إلى الله ، واهتدوا إلى مواقع الهدى مما أنزل الله على رسوله ، فحين سئلوا ماذا أنزل ربكم قالوا : «خيرا» أي أنزل ربنا خيرا كثيرا ، نتزود منه زادا طيبا لدنيانا وآخرتنا : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) .. فما يتزوده المؤمن من الإيمان والتقوى ، كلّه طيب ، والجزاء عليه حسن فى الدنيا ، ولكن ما يجده المؤمن فى الآخرة من ثواب الله ، ونعيمه ، هو الذي يعتدّ به ، إذ كان خالدا باقيا ، لا يقاس بالقليل منه ، ما فى الدنيا كلّها من متاع
وقوله تعالى : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ .. كَذلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ) .. هو عطف بيان على قوله تعالى : (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) .. فدار المتقين هذه ، هى تلك الجنات ، التي تجرى من تحتها الأنهار ، لهم فيها ما تشتهيه الأنفس ، وتلذ الأعين .. خالدين فيها.
ـ وفى قوله تعالى : (كَذلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ) تنويه بهذا الجزاء العظيم ، الذي لقيه المتقون ، من ربّهم ، وهو جزاء لا ينال إلّا من الله الكريم الوهاب ، لأن ما فى أيدى الناس جميعا ، وما فى هذه الدنيا كلّها ، يحفّ ميزانه ، مع أدنى جزاء جوزى به من نالهم الله برحمته ، وأنزلهم منازل رضوانه ..
قوله تعالى : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ