ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) .. هو عطف بيان على قوله تعالى : (كَذلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ) .. فالمتقون ، هم الذين تتوفاهم الملائكة «طيبين» .. قد طابت نفوسهم ، وزكت أرواحهم ، بما مسّها من تقوى ، وما عبق عليها من إيمان .. فإذا جاء الملائكة لقبض أرواحهم ، أقبلوا عليهم فى بشر ، يحملون إليهم بشريات مسعدة ، حيث يلقونهم بالسّلام ، الذي لا خوف معه .. (يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ..) ثم لا تكاد أرواحهم تفارق أبدانهم حتى يروا منازلهم فى الجنة ، وبين أيديهم مناد يناديهم : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) .. فتلك هى الجنة التي وعد المتقون .. لهم فيها دار الخلد ، جزاء بما كانوا يعملون ..
والسؤال هنا : كيف يقال لهم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون .. والمعروف أن دخول الجنة ، إنما هو فضل من فضل الله على عباده ، وليس ذلك من كسب العبد ، ولا بسبب ما قدم من صالح الأعمال ، إذ أن الجنّة لا يستطيع أحد أن يقدّم الثمن الذي تنال به ، مهما بلغ من إيمان وتقوى. وقد قال النبي ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ «لا يدخل أحدكم الجنة بعمله» قالوا : «ولا أنت يا رسول الله؟» قال : «ولا أنا إلّا أن يتغمّدنى الله برحمته» .. فما تأويل هذا؟
الجواب ـ والله أعلم ـ أن الإيمان والعمل الصالح ، هما المطلوبان من الإنسان ، ليحتفظ بإنسانيته على الصحة والسلامة من الرجس والدنس .. وإذ كان الناس فريقين : مؤمنا وكافرا ، وشفيّا وسعيدا ، وأصحاب الجنة وأصحاب النار .. هكذا أرادهم الله ، ولهذا خلقهم ـ إذ كان الناس على هذا ، فإن المؤمنين الذين عملوا الصالحات هم أهل الجنّة ، والذين كفروا وضلّوا هم أهل النّار .. وفى إضافة المؤمنين إلى الجنة ، وإنزالهم منازل الرضوان فيها ، وحسبان ذلك بسبب إيمانهم وتقواهم ـ فى هذا تكريم من الله سبحانه وتعالى لهم ، وفضل من فضله