فلم يبق منها حتى مجرد رماد ينتفع به على أي وجه من وجوه النفع ، ولكنه صار هباء معلقا فى أذيال الرياح العاصفة!
فانظر كيف حمل هذا التشبيه من روعة التصوير ، ودقة المطابقة بين المشبّه والمشبّه به ، حتى لكأن روحا واحدة تلبس جسدين!
وفى قوله تعالى : (لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ) هو من تمام التشبيه ، وهو أشبه بوجه الشبه الجامع بين طرفى التشبيه .. فإنه كما لا يقدر أحد على الإمساك بهذا الرماد الذي تحمله الريح ، كذلك لا يقدر الكفار على الإمساك بشىء من أعمالهم التي كانت لهم فى دنياهم.
* وقوله تعالى : (ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) ـ يمكن أن تكون الإشارة فيه إلى حال هؤلاء الكافرين ، وما هم عليه من ضلال ، وهو ضلال قد بعد بصاحبه عن طريق الهدى والنجاة ..
ويمكن أن تكون الإشارة إلى أعمال الكافرين يوم القيامة ، وأنها ضلّت عنهم ، وغابت وراء آفاق بعيدة ، لا سبيل إلى الاهتداء إليها أبدا ..
وقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ).
الخطاب هنا للنبىّ ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وهو بعد هذا ـ خطاب عام ، لكل إنسان ، من شأنه أن يخاطب ..
فى هذه الصورة التي تعرضها الآية الكريمة لقدرة الله ، وأن الله سبحانه خلق السموات والأرض ، خلقا مقصودا لحكمة يعلمها الله ، وليس عبثا ولهوا ، وأنه سبحانه كما خلق هذا الوجود قادر على أن يهلك الناس جميعا ، وأن يأتى بخلق جديد غيرهم ، من جنسهم أو من غير جنسهم ، وأن ذلك ليس بالعزيز على الله ،