أو المتأبّى على قدرته ـ نقول فى هذه الصورة يشهد الكافرون بعض مظاهر قدرة الله ، بعد أن أشهدتهم الآية السابقة يوم القيامة ، وموقفهم الذليل المهين فيها ، وأعمالهم الضائعة التي كانت لهم فى الدنيا ، فيكون لهم من ذلك واعظ يعظهم ، ويفتح لهم الطريق إلى الإيمان بالله ، إن كانت لهم عقول تعقل ، وكان لهم مأرب فى النجاة من عذاب النار الذي شهدوه ، وعاينوا أهواله ..
قوله تعالى : (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ؟) ـ
(وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً) : أي انكشفوا بالعراء ، وجاءوا مجردين من كل شىء .. عراة ، حفاة .. لا مال ، ولا ولد ، ولا جاه ، ولا سلطان!
فهذا مشهد من مشاهد القيامة ، وفيه يبرز النّاس جميعا لله ، غير مستترين بشىء ، لا يحتجب بعضهم عن بعض بجاه أو سلطان ، أو حجّاب ، وحراس ، أو حصون وقصور .. إنهم جميعا عراة بالعراء ..
وفى جانب من هذا المشهد يلتقى الضعفاء ، وهم عامة الناس ، وسوادهم ـ بالرؤساء ، وأصحاب السيادة والسلطان ، وقد كانوا قادتهم ، وأصحاب الكلمة فيهم ، وفى هذا اللّقاء يفزع هؤلاء المستضعفون إلى سادتهم هؤلاء ، يسألونهم العون فى دفع هذا البلاء الذي أحاط بهم .. فهم كانوا مفزعهم فى الدنيا ، فهلّا كانوا مفزعا لهم فى هذا اليوم العظيم؟ وبم استحقوا إذن أن يكونوا فى مكان القيادة والسيادة ، إذا هم لم يكونوا لهم فى هذا الموقف؟
(إِنَّا ـ كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً .. فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ)؟ إنه لعار على المتبوع ألا يخفّ لنجدة تابعه ، وقد كنّا رعيّة لكم ، وأداة طيعة فى أيديكم! فهيّا ادفعوا عنّا بعض هذا العذاب الذي نحن فيه!
ويجىء الجواب : (قالُوا لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ)!!