رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً) .. فهذا الذكر المستبصر ، هو الذي يضىء الطريق الذي يسلكه الذاكر إلى ربه ، فيرى على ضوء هذا النور ، قدرة الخالق وجلاله ، وعظمته ، فيخشع قلبه وتسكن وساوسه.
فالذكر ـ كما قلنا ـ ليس مجرد كلمات يرددها اللسان ، وإنما هو نبضات قلب معمور بالإيمان بالله ، وخفقات وجدان ريّان بالرجاء فى الله ، والطمع فى فضله وإحسانه ، وذلك بعد أن يعرف المرء ربّه ، ويعرف ما ينبغى له سبحانه من كمالات ..
والرجاء الذي يقوم على غير إيمان ، ويستند إلى غير طاعة ، هو مكر بالله ، وخداع للنفس ، وعدوان على سنن الحياة التي أقام الله عباده عليها ، فجعل لكل عامل عمله ، ولكل غارس ثمرة ما غرس!.
وحسن أن يحسن العبد ظنه بربه ، بل وأن يبالغ ما شاء فى هذا الظن ، ولكن شريطة أن يكون ذلك الظن نابعا من الإيمان بالله ، ومستندا على ما يجد العبد من شواهد القرب من ربه .. فهنا يحق له أن يتمنى على ربه ، وأن يدلّ دلال المحبوب مع محبوبه .. وفى الحديث الشريف : «ربّ أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبرّه» .. وفى الخبر الثابت أن البراء بن مالك (وهو أخو أنس بن مالك) كان ممن يقسم على الله فيبرّ الله قسمه ، وكان المسلمون إذا اشتدت عليهم الحرب فى قتال المشركين ، يقولون : يا براء .. أقسم على ربك فيقسم على ربه فينتصرون!.
والدعاء ، هو من ذكر الله .. حيث يوجّه الداعي وجهه إلى الله ، طالبا اللجأ إليه ، والمدد من إحسانه وفضله .. يقول ابن قيم الجوزية فى تفسيره المسمى : «التفسير القيم» : إن الدعاء هو ذكر للمدعو سبحانه ، متضمن للطلب منه ، والثناء عليه بأسمائه وأوصافه ، فهو ـ أي الدعاء ـ ذكر وزيادة كما أن الذكر سمىّ دعاء