ووقف من نفسه ولو مرة واحدة ، إزاء شهوة غالبة ، أو هوى قاهر ، فاستعلى على شهوته ، وأمسك بزمام هواه .. ذلك هو الذي يدرك معنى السعادة التي كان يعيش فيها عمر ومن أخذ مأخذ عمر ، وسار على طريقه .. فى القناعة ، والتعفف ، والاستقامة ..
من كلمة حكيمة لسقراط يقولها لأحد معاصريه :
«يبدو أنك تظنّ أن السعادة فى الترف والإسراف .. أما أنا فأرى أنك إذا لم تكن فى حاجة إلى شىء لكنت شبيها بالآلهة ، وأنك كلما أقللت من حاجتك قدر استطاعتك كنت أقرب ما تكون إلى الآلهة».
هذه هى السعادة الحقيقية الكاملة فعلا. السعادة التي يحصل عليها المرء بالاستعلاء على شهواته ، والاستغناء عن الكثير من الضرورات التي تقيّد خطوه ، وتثقل كاهله ..
والناس على منازلهم من القدرة على امتلاك ناصية شهواتهم ، والتحكّم فى زمام أهوائهم ، فهم بين قادر متمكن ، وواقف بين القدرة والعجز ، وعاجز مستسلم .. وكلما كان الإنسان أقدر على قهر شهواته وردع أهوائه كلما علا وارتفع ، وحلّق فوق هذا المستوي الذي يتقلب فيه الناس ..
ولهذا تجد التفسير الصحيح لتلك المواقف الرائعة المذهلة ، التي كان يقفها أناس لا حول لهم ولا طول ، فى وجوه الجبابرة والمتسلطين من أصحاب الجاه والسلطان. فإذا هذا الجبار المتسلط ، يسقط بجاهه وسلطانه ، ويهوى بجبروته وسطوته بين يدى هذا الإنسان الذي ليس بين يديه شىء من جاه أو سلطان ، وإنما سلطانه وقوته فيما انطوت عليه جوانحه من استقامة وصلاح ..
وليس لهذه القوة الروحية ، وتلك العظمة النفسية ، طبقة معينة من الناس ،