ولا صفة خاصة مميزة لهم ، وإنما هى لمن يطلبها ، ويؤدّى من ذات نفسه الثمن المطلوب لها ..
فهى تلبس الصعلوك ، كما تلبس الأمير ، وتكون فى الحاكم كما تكون فى المحكوم.
فهذا أعرابىّ من أجلاف البادية ، يقف للحجاج طاغية زمانه ، فيخرسه ، ويذلّ كبرياءه ، ويحطّم جبروته.
سأله الحجاج عن أخيه محمد بن يوسف الثقفي ، قائلا : كيف تركته؟.
قال الأعرابى : تركته بضّا سمينا؟
قال الحجاج : لست عن هذا أسألك!
قال الأعرابى : تركته ظلوما غشوما!
قال الحجاج : أو ما علمت أنه أخى؟
قال الأعرابى : أتراه بك أعزّ منى بالله؟
هذه هى القوة التي لا تتخلّى عن صاحبها أبدا ، ولا تخذله فى موقف من المواقف. إنها تختلط بدمه ، وتسرى فى مشاعره وتسكن فى وجدانه .. وهى مصدر سعادة ورضا ، يغتذى منها صاحبها أكثر وأهنأ مما يغتذى صاحب السلطان من سلطانه.
والمشاهد فى الحياة دائما هو أن أصحاب الجاه والسلطان ، وأهل الجبروت والقهر ، إذا استبان لهم وجه إنسان تعلوه ملامح الصلاح والتقوى ، تخاضعوا بين يديه ، وتخاشعوا له ، وسعوا إلى مرضاته ، ولم يستنكفوا أن يكونوا من ورائه ، خدما يخدمونه ، ويتبعون إشارته!!