عليه ، وتفلّتهم من بين يديه ، وهو يدعوهم إلى النجاة ، وهم يلقون بأنفسهم فى مهاوى الهالكين ، وحتى لقد نبه الله سبحانه النبىّ الكريم إلى أن ينظر لنفسه ، وأن يتخفف من هذه الحسرات التي تملأ قلبه ، وتملك مشاعره ، فيقول له سبحانه : (لَعَلَّكَ باخِعٌ (١) نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (٣ : الشعراء) ثم يقول له : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) (٨ : فاطر).
ومعنى قوله تعالى : (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) أي شاقّ عليه ، ومؤلم له إعناتكم له ، وخلافكم عليه ..
ومنه قوله تعالى : (وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) أي غلبنى وقهرنى .. فالعزة ـ فى أصلها ـ الشدة والصلابة ، وفى المثل : «من عزّ بزّ» أي من غلب وقهر كان له أن يبزّ الناس ، ويستولى على ما فى أيديهم ..
فالنبى صلىاللهعليهوسلم قد اشتد عليه وآلمه ، إعنات قومه له ، وخلافهم عليه .. والإعنات والعنت : البلاء ، والمشقة ، التي تضيق بها النفس ، ولا تحتملها .. ومنه قوله تعالى : (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) (٢٥ : النساء).
وفى قوله تعالى : (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) إشارة إلى أن عطف النبي ورحمته بالناس وحدبه عليهم ، ليس لقومه وحدهم ، وإنما هو نفس رحيمة كريمة تتّسع للناس للمؤمنين جميعا ، من كل جنس ، ومن كل لون .. فهو رءوف رحيم بكل مؤمن ، حريص على هداية كل نفس واستنقاذها من الضلال ، والضياع!
وفى وصف النبي الكريم بهاتين الصفتين الكريمتين من صفات الله سبحانه :
__________________
(١) باخع نفسك : أي مهلكها ومفسدها.