الناس جميعا إلى هذا الخير الذي بين يديها ، ليطعموا منه كما طعموا ، وليهتدوا إلى الله كما اهتدوا ..
وفى قوله تعالى : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) ـ إلفات للعرب إلى هذه النعمة الكبرى التي أنعم الله بها عليهم ، وهو أنه ـ سبحانه ـ قد تخير رسوله إليهم منهم ، وجعل مطلع الخير الذي يحمله ، فيهم أولا .. وهذا من شأنه أن يجعل منهم القوة التي تظاهر هذا الرسول ، وتقف إلى جواره ، وتستظل برايته لا أن يكونوا حربا عليه ، وعداوة متربصة به .. إنه منهم ، وليس غريبا عليهم .. إنه يعرفهم وهم يعرفونه ، ويعرفون مولده فيهم ، ونسبه القريب منهم .. فكيف يلقونه بالعداوة؟ ثم كيف يحاربونه ويكيدون له ، وهو الذي يحمل إليهم الخير الخالص ، ويسوق إليهم الهدى والنور؟ إنهم بهذا يظلمون أنفسهم ، إذ يحرمونها هذه النعمة ، التي ساقها الله إليهم ، على تلك اليد الكريمة التي تحيرها الله منهم ، وإنهم ليخرجون على سنن العروبة وأخلاق العرب ، فى الانتصار لمن كان منهم ، والتعصب له ، والاستجابة لدعوة الداعي حين يدعوهم .. حتى لقد كان شعارهم ، بل دينهم الذي يدينون به : «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» ، وحتى ليقول شاعرهم عنهم :
لا يسألون أخاهم حين يندبهم |
|
فى النائبات على ما قال برهانا |
فكيف لا يستجيبون للرسول الكريم ، وهو منهم ، وقد جاءهم بالبرهان المبين والحجة الساطعة الدامغة؟
* وفى قوله تعالى : (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ .. حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) إلفات للعرب أيضا إلى ما يحمل الرسول الكريم من مشاعر الحب لقومه ، والحدب عليهم ، بما لم يعرف إلا فى الآباء للأبناء ، وحدبهم عليهم ، حتى لقد حمل ذلك الحبّ وهذا الحدب النبىّ الكريم ، على أن يبيت مؤرّقا مسهدا موجعا ، لخلاف قومه