وكذلك شأن الإنسان مع الحياة ومع الناس .. إنه يرى نفسه من خلال نظرتين .. نظرة لا يرى منها إلا نفسه هو ، ووجوده هو ، ونظرة يرى منها نفسه ، عضوا ـ كبيرا أو صغيرا ـ فى المجتمع ..
فتعاليم الإسلام تعترف اعترافا كاملا واضحا بذاتية الإنسان وبفرديته ، وتفسح لهذا الجانب من الإنسان مكانا بارزا فى تشريعاتها وأحكامها .. فالإنسان فى نظر الإسلام ـ من هذه الجهة ـ عالم صغير ، له فلكه الذي يدور فيه ، وله مشاعره التي يحيا بها ، وعواطفه التي يعيش فيها ، وضميره الذي يحتكم إليه.
ومن جهة أخرى ، فإن الشريعة الإسلامية ، لا تقف بالإنسان عند هذا الشأن من شئونه ، بل تلقاه عضوا فى المجتمع الإنسانى كله ، من أضيق حدوده ، فى مجتمع الأسرة ، إلى غاية مداه ، فى الإنسانية جميعها ، بل إنها تتجاوز هذا إلى المجتمع الحيواني ، بل إلى الوجود كله .. فهى تدعو الإنسان إلى أن يكون نغما منسجما مع هذا اللحن الخالد ، الذي يشترك فيه الكون كله ، معبّرا به عن جلال الخالق العظيم وقدرته ، وعلمه ، وحكمته .. وإنه لمن الشقاء الذي ليس بعده شقاء ، أن يكون الإنسان صوتا [نشازا] فى هذا اللّحن الكونى الرائع .. إنه سينفصل حينئذ عن الوجود .. ثم لا يكون له وجود!
* * *
وأرانا قد بعدنا عن موضوعنا الذي تحدثت عنه الآية الكريمة : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) .. ولكن عذرنا فى هذا ، هو أن قضية الاختلاف بين الناس ، ليست قضية ذات وجه واحد ، قائم على هذا الاختلاف الظاهر بين الأفراد ، بل هى قضية ـ كما قلنا ـ ذات وجهين : وجه ظاهر يقوم عليه هذا الاختلاف الذي تشهده الحياة بين الناس والناس ، ووجه خفّى ، تضيع فى ثناياه وجوه هذا الاختلاف ، فيبدو الناس جميعا كيانا واحدا ، وجسدا واحدا .. الأمر الذي