على الله .. والظن هنا يقين .. بدأ عند القوم ظنّا ، ثم استحال مع الجدل والعناد ، يقينا ..
قوله تعالى : (قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ .. أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ).
البيّنة : الحجة والبرهان والدليل ، الذي به يتبين الإنسان موقفه من الأمر الذي معه ..
والرحمة : النعمة التي أنعم الله بها عليه ، وهى التعرف على الله ، والإيمان به ..
عمّيت عليكم : أي خفى عليكم أمرها ، وعميت أبصاركم عنها ..
أنلزمكموها : أصلها أنلزمكم إياها .. والإلزام بالأمر : الحمل عليه بالقهر والقوة ..
و «ها» فى قوله تعالى : «أنلزمكموها» ضمير بعود إلى الرحمة ، وهى الإيمان بالله.
وفى هذا الردّ الذي ردّ به نوح على قومه إشارة إلى أن المعتقد الديني لا يكون عن قهر وإكراه ، وإنما هو أمر لا يتمّ إلا عن اقتناع ، وقبول ، ورضا .. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) .. وقد أشرنا من قبل إلى معنى البينة عند تفسير قوله تعالى : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) (الآية ١٧ من هذه السورة) وقلنا إن البينة هى الفطرة السليمة المركوزة فى كيان الإنسان ، والتي يجد منها صاحبها الدليل الذي يدلّه على الله سبحانه وتعالى ، من غير أن يرد عليه وارد من الخارج ، يدلّه على الله .. فإذا جاء هذا الوارد ، كان رحمة وفضلا من الله سبحانه ، إلى ما أودع الله فى الإنسان من فطرة سليمة. ، وعقل مدرك مبصر.