قوله تعالى : (وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ).
ومن حجّة نوح على قومه ، أنه إذ يدعوهم إلى ما يدعوهم إليه ، وإذ يحتمل فى سبيل ذلك ما يحتمل من جهد وبلاء ـ أنه لا يسألهم أجرا على هذا العمل ، الذي يحتمل من أجله ما يحتمل من عناء ، وإنما هو حسبة لله .. ولو أن نوحا كان يبغى بما يدعوهم إليه أجرا منهم ، أو نفعا ذاتيا له ، لكان لهم أن يظنّوا به الظنون ، وأن يرتابوا فى أمره ، وفى هذا الإلحاح الّذى يلحّ به عليهم ، رغم ما يجبهونه من تكذيب ، وما يرمونه به من ضرّ ..
وإذ كان الأمر كذلك ، فإنه مقيم على دعوته ، ممسك بمن استجاب له من قومه ، وإن كانوا كما يقولون فيهم ، إنهم أراذلهم! .. ذلك أن القوم جميعا مدعوون إلى الله ، ولا يأخذ الداعي أجرا من المدعوّين ، سواء أكانوا أغنياء أم فقراء .. أصحاب جاه وسلطان ، أم مجردين من كل جاه وسلطان .. فالباب مفتوح ، لكل من يريد الدخول إلى ساحة الله ، ومن دخلها مستجيبا لدعوة الله ، فإنه من غير المقبول أو المعقول أن يطرد بعد أن أجاب .. فهؤلاء الذين آمنوا هم فى طريقهم إلى الله ، ولن يطردهم ويردّهم من دعاهم إليه .. ولكنّ القوم فى جهل وضلال ، لا يرون حتى هذه البديهيّات من الأمور.
قوله تعالى : (وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ .. أَفَلا تَذَكَّرُونَ).
أي إن الجماعة الذين آمنوا قد أصبحوا فى ضيافة الله ، فكيف أعتدى على ضيوف الله؟ وكيف أطردهم من ساحته وقد تحصّنوا به ، ونزلوا فى حماه؟