محمد ، إذ لو كان من عند محمد ، لكان إلى يده تغييره أو تبديله.
وثانيا : مسألة التبديل ، والتغيير فى القرآن ، وإن كانت أمرا ممكنا فى ذاته ، إذ لا يتأتّى القرآن على من يجرؤ على التبديل والتحريف فيه ـ وإن كان الله سبحانه وتعالى : قد حرسه من التبديل ، وحفظه من التحريف ، كما يقول تبارك وتعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) ـ نقول : إن مسألة التبديل فى القرآن ، وإن كانت ممكنة فى ذاتها ، فإن «محمدا» لن يفعل ذلك من تلقاء نفسه ، فذلك خيانة لله فى الأمانة التي ائتمنه عليها ، وعصيان له فيما أمره به فى قوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) .. وليس وراء العصيان لله ، والخيانة لأمانته إلا العتاب الأليم والعذاب العظيم .. كما يقول سبحانه : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ* لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ* فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) (٤٤ ـ ٤٧ الحاقة).
وثالثا : أن الرسول ، وهو من هو عند ربه ، حبّا وقربا ، يخاف عذاب الله ، ويخشى عقابه إن هو عصاه ، وخرج عن أمره ، وغيّر وبدل فى كلماته .. فما لهؤلاء المشركين لا يخشون الله ، ولا يخافونه ، وقد عصوه هذا العصيان الحادّ بالشرك به ، وبتكذيب رسوله ، والآيات التي أنزلها على رسوله؟ ألا يخافون بأس الله؟ ألا يخشون عقابه؟ (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) (٩٩ : الأعراف).
قوله تعالى : (قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ .. أَفَلا تَعْقِلُونَ).
فى هذه الآية تنبيه للمشركين ، وإلفات لهم ، إلى ما هم فيه من عمّى وضلال. فلو أنهم عقلوا شيئا ، لعرفوا أن «محمدا» قد عاش فيهم أربعين سنة غير قارئ