ولا كاتب ، ولا متحدث إليهم بأى حديث مما يحدثهم به الآن من كلام الله الذي أوحى به إليه ، بعد هذا العمر الطويل ، الذي عاش فيه مع نفسه ، منقطعا إلى ربه!
ولكن هكذا شاء الله لمحمد أن يكون مستقبل وحيه ، ومتلّقى كلماته ، ومبلّغ آياته ..
ولو شاء الله غير هذا لكان ، فلم يكن محمدا رسولا ، ولا مبلغ رسالة ، ولا مسمعا الناس هذا الذي سمعوه منه من آيات الله.
فمن نظر فى حال محمد قبل الرسالة وبعدها ، ومن طالع وجوه هذه الآيات السماوية التي نزلت عليه ، لم يقم عنده أدنى شك فى أن محمدا هو رسول الله ، وأن ما يحدّث به عن الله هو من عند الله ، ومن كلمات الله .. ذلك مع صرف النظر جانبا عما فى آيات الله نفسها من دلائل الإعجاز ، التي تشهد بأنها ليست من قول بشر ، وأنها من كلام رب العالمين.
قوله تعالى : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ).
فتراء الكذب على الله ، هو اختلاق القول عليه ، وتقوّل الأحاديث عنه ، بإيرادها ابتداء ، أو بالتبديل والتحريف فيها ..
فأظلم الظالمين من يجرؤ على ركوب هذا المركب المهلك فيتقول على الله ، ويفترى الأحاديث عليه ..
وأظلم الظالمين من يرى آيات الله ، ويستمع إليها .. ثم يكذب بها ، ويصم أذنيه عنها ، ويغلق عقله وقلبه دونها ..