انبجست ، فلا تشرب جماعة إلا من المشرب الذي هو لها .. وهكذا يظل القوم فى عزلة مادية ، إلى جانب تلك العزلة النفسية التي اشتملت عليهم.
وفى قوله : تعالى (وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى .. كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) .. عرض لنعم الله عليهم ، وإلفات لهم إليها ، حتى يوجّهوا وجوههم إلى الله وحده ، ويستقيموا على صراط مستقيم.
وقوله تعالى : (وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) كشف لمساوىء هؤلاء القوم ، وما فيهم من ضلال وعناد ومكر بآيات الله .. فإنهم لم يرعوا هذه النعم المرسلة عليهم من السماء ، ولم يلتفتوا إلى تلك الألطاف التي تحفّهم من كل جانب ، وتطلع عليهم من كل أفق ، بل كفروا بالله ، وعاثوا فى الأرض فسادا .. وهم بهذا إنما يظلمون أنفسهم ، ويوردونها مورد الهلاك والضياع ، حين يعرضونها لسخط الله ونقمته ، ولن يضرّ الله شىء من هذه المآثم التي يغرقون فيها ، ويغرقون فيها أنفسهم ، بل إن فى هذا البلاء العظيم الذي يشتمل عليهم.
وقوله تعالى : (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ* فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ) هو بيان لوجه من وجوه بنى إسرائيل المنكرة ، التي كانوا يتعاملون بها مع الله ، حيث يلبسهم النعمة ، فتزيدهم بالله كفرا وضلالا ..
ولقد دعاهم الله سبحانه أن يدخلوا القرية ، وأن يسكنوها ، حتى ينتقلوا من الصحراء الجديب ، إلى حياة الاستقرار والسّكن ، وأن ينعموا بما تخرج أرضها من جنات وزروع .. وأوصاهم الله حين يدخلون هذه القرية أن يكونوا على حال خاصة ، هى أن يدخلوا بابها ساجدين لله ، قائلين «حطّة» أي مغفرة