ثانيا. ولهذا كان الملاحظ فى العدد هو الأمة لأ الأسباط ، لذلك أنّث العدد بجزئيه ، كأنه قال : (وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً) .. فأمة هى التمييز لهذا العدد لا الأسباط ، وقد جاء التمييز جمعا ولم يجىء مفردا كما هو الشأن فى تمييز الأعداد المركبة ، للدلالة على أن الأمة الواحدة من هؤلاء القوم هى أمم ، فى مختلف مشارب أفرادها ، وتنازع أهوائهم .. فكل جماعة فى داخل هذه الأمة هى أمة ، فى اتجاه أهوائها ، واختلاف مشاربها.
ثانيا : أن ذكر الأسباط ، يشير إلى أن هذا التقطيع لتلك الجماعة قام على أسلوب خاص ، وهو أن كل قطعة ترجع فى أصلها إلى أبيها الأول من أبناء يعقوب ..
وقوله تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ).
استسقاه قومه : طلبوا السّقيا منه ، حيث كانوا فى الصحراء ، ولا ماء هناك .. وقد ثارت ثائرتهم فى وجه موسى ، وكادوا يكونون عليه لبدا ، فأوحى الله إليه أن يضرب بعصاه الحجر ، فيخرج منه الماء الذي يشربون منه ..
وقد ضرب موسى بعصاه الحجر ، فانبجست منه اثنتا عشرة عينا ، بعدد أسباطهم ، أو أممهم.
والانبجاس : تدفق الماء من محبسه فى رفق ولين .. ثم كان التدفق الهادر بعد أن أخذ الماء مجراه ، وقد جاء قوله تعالى : (فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) (٦٠ : البقرة) ـ جاء بالوصف الذي يضبط هذه الصورة كلها ..
وقوله تعالى : (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ) إشارة إلى أن كل جماعة من تلك الجماعات الاثنتى عشرة قد علمت المشرب الذي لها من تلك العيون التي