مصر خفية .. ثم إنهم لكى يضلوا المصريين عنهم ، طلبوا إلى نسائهم أن يستعيروا من جاراتهن المصريات ما يقدرن على استعارته من الحلىّ ، على ما جرت به العادة من التزين فى الأعياد ..
ثم حين خرج بهم موسى ، وجاوز بهم البحر ، ونجاهم من فرعون ، ذكر لهم ما كان منهم من سلب ما سلبوا من حلىّ ، وأراهم أن ذلك خيانة للأمانة ، وعدوان على غيرهم ، وأنه لا يجوز لهم وقد خلصهم الله من البغي ، أن يكونوا من الباغين ..
وقد تحرّج كثير منهم من هذا الحلىّ المسلوب ، ولكنهم ظلّوا ممسكين به ، لا تطاوعهم أنفسهم على أن يفلت من أيديهم .. إنّه الذهب والفضة ، يبيع اليهودىّ عمره من أجل قبضة منهما!
ثم إنه لمّا أخلى موسى مكانه فيهم إلى مناجاة ربّه ، تناجوا هم مع شياطينهم ، وانتهى الرأى بينهم إلى أن يقيموا لهم معبودا ، وجعلوا هذا المعبود عجلا مصنوعا من ذهب ، وهان فى أعينهم هذا الذهب الذي سلبوه وأمسكوه ، حين جعلوه مادة لهذا الإله الذي تصوروه .. فصوروه وجسّدوه!
وهذا ما يشير إليه قوله تعالى فى سورة طه : (قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي* قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ) (٨٦ ـ ٨٨) ..
ففى قولهم (حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ) إشارة إلى أن هذا الذي كانوا يحملونه من زينة المصريين هو أوزار تثقلهم ، وأنهم انتهزوا هذه الفرصة