فى هذا إشارة إلى أن باب التوبة والقبول لا يقفل أبدا فى وجه أي إنسان ، يتجه إلى الله ، وينزع عما كان فيه من غىّ وضلال .. وأن هؤلاء المنافقين الذين كفروا بعد إيمانهم ليسوا على حال واحدة ، ففيهم من سيثوب إلى رشده ، وينزع عن غيه ، ويرجع إلى الله تائبا نادما ، وفيهم من يلجّ به الضلال ، ويستبد به العمى ، فيمضى إلى مساقه الذي يسوقه شيطانه إليه ..
فالذين يتوبون إلى الله ، ويرجعون إليه من قريب من هؤلاء المنافقين ، سليقون من الله سبحانه ، عفوا ، ومغفرة .. والذين يصرّون على هذا النفاق الذي هم فيه ، سيلقون من الله ما أعد للكافرين والمنافقين من عذاب ونكال .. (بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ) .. أي بسبب ما كانوا عليه من ضلال ، ومحادّة لله ورسوله ، الأمر الذي اقترفوا به ما اقترفوا من جرائم وآثام.
قوله تعالى : (الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ)
هكذا هم المنافقون ، وذلك هو مجتمعهم ، لا ينضح بغير الإثم والمنكر ، ولا يلد إلا البغي والفجور .. (بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) أي على طبيعة سواء ؛ يجمعهم النفاق ، ويؤلف بينهم ، من رجال ونساء ، حتى لكأنهم أفراد أسرة واحدة ، تجمعها لحمة النسب والقرابة ، وتؤلف بينها مشاعر الحب والولاء .. وذلك أن المنافق لا يجد المرعى الخصيب الذي يغذّى فيه نفاقه ، ويحقق به وجوده ، ويرضى فيه مشاعره ـ إلا فى بيئة منافقة ، تتجاوب معه ، وتروّج لهذه البضاعة التي يتعامل بها ..
ذلك أن بضاعة المنافقين ، بضاعة خبيثة ، وطعام فاسد عفن ، لا تقبله إلا