وعلى هذا يكون المراد بقوله تعالى : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) ، أي فرّوا خفافا وثقالا .. ولكن الفرار من أين؟ وإلى أين؟
الفرار من حبّ الحياة ، والتعلق بما للإنسان فيها من هوى إلى المال والأهل والولد .. ثم اللّجأ إلى الله ، وإلى الجهاد فى سبيل الله!!
وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٥٠ : الذاريات).
فالدعوة إلى الجهاد فى سبيل الله ، الذي تحمله كلمة «الفرار» هى دعوة إلى أمرين معا :
الأول : الانخلاع من سلطان الدنيا ، المستولى على النفوس ، وذلك لا يكون إلا بمغالبة أهواء النفس ، والوقوف منها موقف العدوّ الذي يتربص للإنسان على طريق الخير ، ليحول بينه وبين الوصول إليه ، فيفرّ المؤمن من دواعى الحياة الدنيا ، فراره من العدوّ ، الذي إن تلبّث أو فتر فى الفرار منه ، هلك!!
والثاني : التماس السّبل التي تخلّص الإنسان من الوقوع ليد هذا العدوّ ، الذي يحول بينه وبين الخير المدعوّ إليه من قبل ربّه ، وهو الجهاد فى سبيل الله .. وذلك لا يكون إلا بالفرار من وجه هذا العدوّ ، واتخاذ وجهة أخرى غير الوجهة القائمة على سمته .. وتلك هى وجهة الجهاد فى سبيل الله.
وفى قوله تعالى : (اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ) كناية عمّا يستولى على الإنسان من مشاعر التحير والانهزام ، حين يواجه امتحانا عسيرا ، لم يكن مهيّأ له من قبل ولم يكن على نية صادقة ، وعزيمة مجتمعة لخوض غماره ..
وأصل (اثَّاقَلْتُمْ) تثاقلتم ، فأدغمت التاء فى الثاء ، لتقارب مخرجيهما ، ثم جىء بهمزة الوصل ، حتى لا يبدأ بحرف ساكن ، الأمر الذي لا تستسغيه العربية ..